[center]
[color:1533=blue]ضوابط الاستمتاع
بالزوجة في الحيض و النفاس[/color]
تأليف المحامي الدكتور
مسلم محمد جودت اليوسف
مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقا
ومدير مكتب جامعة سانت كلمنتس العالمية في حلب
بالله ثقتي
[color:1533=blue]المقدمة[/color]
إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستهديه و نستغفره ، ونسترشده ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إلا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران : 102 ) .
و قال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ( النساء :1 ) .
و قال جل جلاله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً () يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) ( الأحزاب : 70-71 ) .
فإن أحسن الكلام كلام الله ، عز و جل ، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .
و بعد :
إن الله سبحانه ، و تعالى رغب بالزواج ، و حث عليه تحصيناً للفرد ، و المجتمع ، و للتمتع بالنعم على الوجه المشروع .
قال تعالى :{ وَإِنْ خِفْتُمْ ألا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) ( النساء : 3) .
وعن أبي الزبير قال : قال جابر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعد إلى امرأته فليواقعها ، فإن ذلك يرد ما في نفسه } رواه مسلم .
بيد أن هذا التمتع لم يترك بدون ضوابط ، و قيود و حدود ، فالشريعة الإسلامية نظمت كل هذا بدقة متناهية ، فأباحت التمتع بالزوجة بالشكل الذي يرغب به الزوجان مع مراعاة الضوابط الشرعية .
قال تعالى :{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة:223) .
فالشريعة الإسلامية أباحت أوجه الاستمتاع الذي لا يلحق أي ضرر بأي من الزوجين ، أما إذا كان هناك ضرر منعته و حذرت منه ، لذلك أباحت الوطء في الطهر من الحيض ، أو النفاس ، و منعت الوطء في الحيض و النفاس للأضرار الكثيرة التي تنجم عن هذا الجماع تلحق بكلا الزوجين .
قال تعالى :{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (البقرة:222)
و نظراً لخطورة هذا الموضوع ، و جهل كثير من المسلمين بأحكامه . رأيت أن يكون موضوع بحثي { ضوابط الاستمتاع بالزوجة في الحيض ، و النفاس } .
و ذلك للأسباب التالية :
1- جهل كثير من الناس ضوابط الاستمتاع بالزوجة في حالات الحيض ، و النفاس ، و الاستحاضة .
2- افتقار المكتبة العربية ، و الإسلامية لبحث مستقل يشرح هذا الموضوع بنهج الفقه المقارن .
3- حاجة الأزواج للتعرف على المباح ، و المكروه ، و المحرم في علاقتهما الزوجية نظر لجهل ، و تجهيل كثير من الأزواج في هذا الموضوع .
لهذه الأسباب مجتمعة اخترت هذا الموضوع بعد أن استخرت الله سبحانه و تعالى ، و شاورت كثيراً من أهل العلم ، و طلابه .
منهج البحث و طريقة السير فيه :
نظراً لسعة هذا البحث ، و شموله على العديد من الأحكام سوف تحظى بعض النقاط ، و المسائل بمعالجات عميقة . مثلاً مسألة الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء …إلخ ، بينما نسرد سرداً فقط مسألة أقل الحيض ، و النفاس ، و أكثره ، لأنه خارج عن موضوع بحثنا 0
و يمكن تلخيص المنهج الذي سرت عليه – بتوفيق الله - في دراسة هذا الموضوع بالنقاط التالية :
بدأت بتعريف الحيض ، و النفاس لغة ، و اصطلاحاً ، ثم بينت أقل الحيض ، و النفاس و أكثرهما ، ثم قسمت هذا البحث إلى فصلين :
الفصل الأول : بحثت فيه ضوابط الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء بالوطء قبل الطهر ، و بعد الطهر ، و قبل الغسل ، و كفارة هذا الفعل إذا وقع .
أما في الفصل الثاني : فبحثت ضوابط الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء في غير الفرج فيما فوق السرة ، و تحت الركبة ، أو فيما تحت السرة ، و فوق الركبة دون الفرج .
ثم ختمت بحثي هذا ملخصا أهم النتائج التي توصلت : إليها من خلال هذا الكتاب .
هذا و قد بذلت قصارى جهدي للتخلص من التقليد الأعمى و التعصب المذهبي ما و سعني إلى ذلك سبيلا.
فكان منهجي منهج الفقه المقارن :
1- أتحرى النقل الصحيح من كتب المذاهب المدونة المعترف بصحة نسبتها إلى أصحابها .
2 - كنت أورد جميع الأدلة للمسألة عند كل مذهب ما وسعني إلى ذلك سبيلا .
3 - كانت معظم الردود التي بين المذاهب مفترضة ، وفق ما رأيي .
4 - قارنت بين الآراء المبسوطة ، و المقرونة بأدلتها بعد أن رجعت إلى أمهات الكتب المعتمدة عند أهل العلم .
5- رجحت بين الاجتهادات بعد مناقشة الأدلة ، و الردود عليها .
6 – و كان ترجيحي يعتمد على الدليل الصحيح بحسب ما يغلب على الظن .
7- لم أتأثر بأي من المذاهب حتى يكون ترجيحي عادلاً مجرداً من جميع المؤثرات إلا من الانتصار للحق و أهله .
و استحسن في الختام أن استشهد بقول الخطابي في مقدمته لتفسير غريب الحديث : ( أما سائر ما تكلمنا عليه فإنا أحقاء بأن لا نزكيه و أن لا نؤكد الثقة به ، و كل من عثر منه على حرف أو معنى يجب تغييره ، فنحن نناشده الله في إصلاحه ، وأداء حق النصيحة . فإن الإنسان ضعيف لا يسلم من الخطأ إلا أن يعصمه الله بتوفيقه .
و نحن نسأل الله ذلك ، و رغب إنه جواد وهوب ) .
والحمد لله رب العالمين .
الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف
abokotaiba@hotmail.com تمهيد :
التعريف بالحيض ، و النفاس لغة ؛ و اصطلاحا ، وبيان أقله ؛ و أكثره وفق اجتهادات الفقهاء و أهل العلم .
أولاً _ التعريف بالحيض :
أ – لغة : السيلان ؛ و الانفجار يقال حاض السيل ، و فاض ؛ و حاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ، و منه الحيض أي الحوض ، لأن الماء يحوض إليه أي يسيل .(1) و يقال : حاضت المرأة تحيض حيضاً ، و محاضاً ؛ فهي حائض و حائضة أي يسيل منها الدم ، و المحيض يكون اسماً ، و يكون مصدراً ، يقال :حاضت المرأة تحيض حيضاً ؛ و محيضاً ، و الحيضة الاسم ، و بالكسر ؛ و الجمع الحيض ، و قيل الحيضة الدم نفسه ، و قيل أيضاً الحيضة : الخرقة التي تستشفر بها المرأة ، و كذلك المحيضة ، و الجمع المحايض ، و تحيضت أي قعدت عن الصلاة ، و حاضت الشجرة حيضاً ، أي سال منها شيء كالدم .(2)
ب - اصطلاحاً: اختلف الفقهاء في تعريف الحيض وفق منهج كل فقيه و مذهبه الفقهي : قال الإمام الجصاص في معنى الحيض : ( اسم لمقدار من الدم يتعلق به أحكام منها تحريم الصلاة ، و الصوم ؛ و حظر الجماع ؛ و قراءة القرآن ، و تصير المرأة فيه بالغة . (3)
الإمام الجصاص جاء بتعريف أورد فيه أحكام الحيض من تحريم الصلاة ، و الصوم ؛ و الجماع …الخ ؛ و لم يأت بتعريف جامع مانع للحيض .
و كذلك فعل ابن مفلح المقدسي عندما عرف الحيض ، فقال :" هو دم طبيعة يمنع الطهارة له و الوضوء و الصلاة . (1)
أما شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني ، و البهوتي ، فقد عرفا الحيض بتعريف مشابه لما ذكرنا إذ أوردوا فيه حكمة وجود الحيض دون أن يأتوا بتعريف جامع مانع .
قال البهوتي : " هو دم طبيعة ؛ و جبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة خلقه الله لحكمة تغذية الولد ، و تربيته(2)" .
أما شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني ، فقال أنه : " خلقة و جبلة ، و كتب الله على بنات آدم بحكمة غذاء الولد ، و نباته .(3) "
أما ابن زكريا الأنصاري ؛ و الشربيني ؛ و النووي ؛ فقد جاءوا بتعاريف مختلفة عما سبق متشابهة نوعاً ما مع بعضها في أكثر من نقطة .
قال ابن زكريا الأنصاري في تعريف الحيض بأنه : " دم جبلة يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة(4) .
أما الإمام الشربيني ، فقال بأنه : " دم جبلة ، أي تقتضيه الطباع السليمة . يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة من غير سبب في أوقات معلومة(5).
أما الإمام النووي ، فقال : " الحيض دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها ، في أوقات معتادة(1) .
و بعد أن أوردنا جميع هذه التعاريف نلاحظ أنها قاصرة عن تعريف جامع مانع ، فربما كان في أحد هذه التعاريف صفات لم تذكر في تعريف آخر أو ورد حكم هنا ، ولم يرد هناك بيد أن جميع هذه التعاريف قاصرة و غير جامعة ، ولا مانعة .
و أقترح أن يكون تعريف الحيض هو : دم أذى يخرج من رحم المرأة البالغة غير الآيسة في وقت معلوم ،و يتعلق به أحـكـام مخصوصة " .
فقولنا هو دم : يخرج كل ما هو غير الدم من رطوبة و غيرها .
وقولنا هو أذى : تخرج به الاستحاضة و غيرها .
و قولنا في وقت معلوم : أي العادة الشهرية .
وقولنا يتعلق به أحكام مخصوصة : من تحريم الصلاة و الصيام و الجماع و مس المصحف و إلى غير ذلك من الأحكام المبسوطة في كتب أهل العلم .
ثانياً - أقل الحيض و أكثره :
في هذه الفقرة سوف أعدد أقوال الفقهاء في أقل الحيض ، و أكثره دون التعمق بأقوالهم ، وبيان أدلتهم ، و الترجيح بينها ، لأن ذلك خارج عن موضوع بحثنا ، ومن أراد أن يقف على ذلك فليراجع أمهات الكتب .
أ - أقل الحيض :
اختلف الفقهاء في أقل مدة الحيض على اجتهادات عدة :
الاجتهاد الأول : أقل الحيض يوم ، وليلة متصلاً ، وهذا قول الشافعية (1) و الحنابلة(2).
الاجتهاد الثاني : لا حد لأقل مدة الحيض بل الدفعة تكون حيضاً . وهذا قول الظاهرية(3) و المالكية(4) في العبادات بخلاف العدة ، و الاستبراء ويرجع ذلك إلى عرف النساء .
الاجتهاد الثالث : إن أقل الحيض يومان ، و أكثره اليوم الثالث ، و هذا القول رواه ابن سماعة عن أبي يوسف(5).
الاجتهاد الرابع : إن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام ، و لياليها ، و ما نقص عن ذلك ، فهو استحاضة ، و هذا قول الحنفية(6).
ب _ أكثر الحيض :
اختلف أهل العلم في أكثر مدة الحيض على عدة اجتهادات :
الاجتهاد الأول : أكثر الحيض عشرة أيام بلياليها ، و الزوائد استحاضة ، و هذا قول الحنفية(7).
الاجتهاد الثاني : أكثر الحيض خمسة عشر يوماً بلياليها ، وهو قول المالكية(1) ، و الشافعية(2)، و الحنابلة(3).
الاجتهاد الثالث : أكثر الحيض سبعة عشر يوماً ، و هو قول الظاهرية (4) .
الاجتهاد الرابع : لا وقت لأكثر الحيض بل يرجع ذلك إلى عرف النساء ، و قول مروي عن الإمام مالك رضي الله عنه .(5)
ثالثاً - التعريف بالنفاس :
النفاس لغة : سمي النفاس نفاساً ، لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم ، أو من خروج النفس بمعنى الولد ، أو الدم(6)".
و إذا وضعت المرأة ، فهي نفساء على وزن ، فعلاء ؛ و ليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء ، و عشراء ، و يجمع أيضاً على نفساوات ، و عشراوات ، و إمرأتان نفساوان ، و عشراوان أبدلوا من همزة التأنيث واواً .
و قد نفست المرأة بالكسر نفاساً ، و نفاسة ، و يقال " نفست المرأة غلاماً على ما لم يسم فاعله ، و الولد منفوس ، و قولهم ورث فلان قبل أن ينفس فلان ، أي قبل أن يولد .(7)
أما النفاس اصطلاحاً : هو دم ولادة خرج بسببها مع خروج الولد ، أو بعده من الرحم ، أو من الفرج في وقت معلوم .(
رابعاً – أقل النفاس وأكثره :
أ - أقل النفاس :
الاجتهاد الأول : لا حـد لأقل مدة للنفاس ، و هو قول الحنفية ، و المالكية ، و الشافعية ، و الحنابلة (1).
الاجتهاد الثاني : أقله عشرون يوماً ، و هذا قول الحسن البصري(2).
الاجتهاد الثالث : أقله ساعة ، و هذا قول أبي ثور(3).
ب - أكثر النفاس :
اختلف أهل العلم في أكثر النفاس على عدة اجتهادات :
الاجتهاد الأول : أكثر النفاس أربعون يوماً ، و الزائد عليه استحاضة ، و هذا قول الحنفية ، و الحنابلة(4).
الاجتهاد الثاني : أكثر النفاس ستون يوماً ، و هذا قول المالكية ، و الشافعية(5).
الاجتهاد الثالث : أكثر النفاس سبعة عشر يوماً ، و هو قول الظاهرية(6).
¬
هذا و لا أرى داع ، لذكر أدلة الأقوال ، لأن ذلك خارج عن موضوع بحثنا و ماخططناه .
و من أراد أن يقف على أدلة الأقوال ، فليراجع أمهات الكتب التي ذكرناها في الهامش .
الفصل الأول
الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء بالوطء
• المبحث الأول : الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء بالوطء قبل الطهر .
•
المبحث الثاني : كفارة الاستمتاع بالحائض و النفساء بالوطء .
• المبحث الثالث : الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء بالوطء بعد الطهر و قبل الغسل .
المبحث الأول
الاستمتاع بالحائض و النفساء بالوطء قبل الطهر
أجمع أهل العلم على حرمة وطء الحائض ، و النفساء في الفرج قبل الطهر(1).
ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ، و لم يجامعوهن في البيوت . فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : " و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض … إلى آخر الآية " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شئ إلا النكاح ، فبلغ ذلك اليهود ، فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد ابن خضير ، وعباد بن بشر ، فقالا : يا رسول الله إن اليهود تقول كذا ، وكذا أفلا نجامعهن ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا ، فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في آثارهما ، فسقاهما ، فعرفنا أن لم يجد عليهما .
أدلة حرمة وطء الحائض و النفساء في فرجها :
استدل الفقهاء على حرمة وطء الحائض ، و النفساء في فرجها بالعديد من الأدلة النقلية نوردها فيما يلي :
أولاً- القرآن الكريم :
قال الله تعالى :{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (البقرة:222) .
قال الإمام الطبري عليه رحمة الله تعالى : تأويل الآية إذاً ، و يسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن ، و لا تقربوهن حتى يغتسلن ، فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه(2).
و قال الإمام محمد شمس الحق : " قل هو أذى قذر ، أو محله أي شيء يتأذى به أي برائحته ، فاعتزلوا النساء ، أي اتركوا وطئهن في المحيض أي وقته ، أو مكانه ، و المراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة …..(3) "
ثانياً – في السنة النبوية الشريفة :
1ً- عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ، و لم يجامعوهن في البيوت ، فسأل أصحاب النبي ، فأنزل الله تعالى "{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض }. " فقال رسول الله اصنعوا كل شيء إلا النكاح ، فبلغ ذلك اليهود ، فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن خضير ، و عباد بن بشر، فقالوا : يا رسول الله إن اليهود تقول كذا ، وكذا أفلا نجامعهن ، فتغير وجه رسول الله حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا ، فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي ، فأرسل في آثارهما فسقاهما ، فعرفنا أنه لم يجد عليهما 0(1)"
وجه دلالة هذا الحديث : أن الحديث يدل بمنطوقه على أنه يجوز للزوج الاستمتاع بكل شيء من زوجته الحائض ، و النفساء ما عدا الوطء في الفرج لعدة علل منها :
1- لوجود الأذى في الحيض و النفاس .
2- لمخالفة اليهود الذين كانوا لا يؤاكلون ، و لا يجالسون الحيض .
2ً- عن حكيم بن الأثرم عن أبي تميمة البجيمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله " من أتى حائضاً ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهناً فصدقه فيما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد(2) "
وفي رواية النسائي " من أتى حائضاً ، أو امرأة في دبرها ، فقد كفر(1)"
وجه دلالة الحديث بروايتيه يدل على أن من استحل جماع المرأة ، و هي حائض ، أو ، نفساء ، فقد كفر بما أنزل على محمد - - .
ثالثاً – الإجماع :
انعقد إجماع أهل القبلة على حرمة استمتاع الرجل بزوجته الحائض ، و النفساء في فرجها ، و لم يخالف في ذلك أحداً من أهل القبلة (2)".
قال الإمام النووي: " اعلم أن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج ، فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز ، و السنة الصحيحة(3).
المبحث الثاني
كفارة الاستمتاع بالحائض و النفساء بالوطء
حرمت الشريعة الإسلامية الاستمتاع بالحائض ، و النفساء بالوطء قبل الطهر ، بيد أن الأمر يختلف باختلاف حال الزوج ، و نيته من عالم بالحرمة ، أو عامد ، أو مكره على الوطء .
فإذا كان الزوج منكراً لحرمة الوطء في الحيض و النفاس ، و يعتقد أن الوطء بالحيض ، أو النفاس غير محرم جحوداً بالنص القرآني ، و السنة الصحيحة ، فإن هذا الأمر كفر وردة ، و العياذ بالله .
أما من فعل ذلك مع علمه ، و اعترافه بالحرمة ، فذلك ذنب عظيم و معصية كبيرة .
و اختلف أهل العلم في كفارة هذا الفعل الشنيع إلى عدة أقوال صنفتها على النحو التالي :
الاجتهاد الأول : وجوب الكفارة بدينار ، أو نصف دينار .
الاجتهاد الثاني : وجوب التوبة ، و الاستغفار فقط .
الاجتهاد الثالث : الكفارة سنة .
الاجتهاد الرابع : التصدق بدينار إن وطئ في الدم ، و نصف دينار إن كان في انقطاع الدم .
الاجتهاد الخامس : وجوب التصدق بخمسي دينار .
منشأ الخلاف يرجع إلى اختلافهم في الحكم على أحاديث الكفارة ، و مقدارها .
الاجتهاد الأول
وجوب الكفارة بدينار أو نصف دينار
أصحاب هذا القول الإمام الشافعي على المذهب القديم ، و رواية راجحة عن الإمام أحمد(1) ، و هو قول الحسن البصري ، و قتادة ، و ابن عباس ، و إسحاق(2) رضوان الله عليهم أجمعين .
أدلة الاجتهاد :
1- عن ابن عباس ، عن النبي - - في الذي يأتي امرأته ، و هي حائض ، قال يتصدق بدينار ، أو نصف دينار(3).
2- عن عباس أن رجلاً أتى النبي - - ، فزعم أنه أتى يعني امرأته ، و هي حائض ، فأمره نبي الله - - أن يتصدق بدينار ، فإن لم يجد فنصف دينار(4).
3- عن ابن عباس ، عن النبي - - في الذي يأتي امرأته ، و هي حائض ، قال : يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار(1).
4- حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك ، عن حصين ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي - - في الرجل يقع على امرأته ، و هي حائض قال : يتصدق بنصف دينار(2).
5- عن ابن عباس ، عن النبي - - في الذي يأتي امرأته ، و هي حائض ، قال : يتصدق بدينار ، أو نصف دينار(3).
6- حدثنا عبد الله حدثني أي ثنا يحيى عن شعبة ، ومحمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي - - في الذي يأتي امرأته ، و هي حائض يتصدق بدينار ، أو نصف دينار(4).
تدل جميع هذه الأحاديث بمنطوقها و مفهومها على العديد من الأحكام منها ما يلي :
1- أن واطئ الحائض ، و النفساء آثم إذا كان معترف بالحرمة ، لأنه في حال الجحود يعتبر مرتداً عن الدين ، و العياذ بالله .
2- على الواطئ أن يتصدق بدينار و إن لم يستطع فنصف دينار .
مناقشة الاجتهاد :
أوجب أصحاب هذا الاجتهاد على الواطئ المستطيع كفارة مقدارها دينار ، و إن لم يستطع فنصف دينار مستندين في اجتهادهم هذا على عدة أحاديث رواها أصحاب السنن ( الإمام أحمد و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم و النسائي و أبي داود و البيهقي و غيرهم ) .
قال أصحاب هذا الاجتهاد : أن معظم هذه الأحاديث صحيحة و قد صححها أكثر من عالم منهم الإمام الحاكم ، و الذهبي ، و أبي داود و ناصر الدين الألباني .
فرد المخالفون :
إن أحاديث الكفارة مدارها على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، و قد قيل للإمام أحمد : في نفسك منه شيء ؟ قال نعم لأنه حديث فلان(1).
وهو ضعيف وجميع الأحاديث التي رواها أصحاب السنن واهية و لا يمكن أن تكون حجة في استنباط أحكام شرعية غير مطعون بها.
فرد أصحاب هذا الاجتهاد على هذا الطعن بقولهم : إن عبد الحميد بن عبد الرحمن هو ثقة ، و قد وثقه غير واحد من العلماء ، ومنهم الإمام أحمد ، لأنه قال في موضع آخر : ليس به بأس ، و قد روى الناس عنه(2).
كما وثق عبد الحميد بن عبد الرحمن أكثر من عالم منهم الإمام الذهبي في التلخيص ، و الحاكم في المستدرك . هذا بالإضافة إلى أن حديث الكفارة رواه أصحاب السنن و عليه يصبح هذا الحديث صحيح ، يصح الاحتجاج به .
فقال مخالفو هذا الاجتهاد :
إن حديث الكفارة سنده ضعيف ، و متنه مضطرب ، فروى مرفوعاً ، و موقوفاً ، و مرسلاً ، و معضلاً بدينار مطلقاً و بنصف دينار ، وكذلك بخمسي دينار ، و باعتبار صفات الدم ، و بدونه و باعتبار أول الحيض ، و آخره(1).
فردوا على هذا الطعن بأن قالوا :
إن لهذا الحديث طرق ضعيفة ، وطرق صحيحة ، و لعل أصحها طريق أبي داود الذي صححه الحاكم .
و يرد على هذا الدفاع :
بقول الإمام الشافعي في أحكام القرآن : " لو كان هذا الحديث ثابتاً لأخذنا به " لاضطراب متن ، وسند هذا الحديث (2).
و عليه لا يصح أي حديث في هذا الباب ، ولا يمكن أن يكون حجة ، و الله أعلم .
الاجتهاد الثاني
وجوب التوبة و الاستغفار فقط
أوجب أصحاب هذا الاجتهاد على الواطئ التوبة ، و الاستغفار ، و عدم العودة إلى هذا الفعل ثانية . ولم يوجبوا على الواطئ أية كفارة .
أصحاب هذا الاجتهاد كُثر منهم الإمام الشافعي ، و هو القول الجديد في مذهبه ، وهو قول كل من الإمام مالك ، و أبي حنيفة النعمان (3) ، و رواية عن الإمام أحمد ، كما هو قول جماهير السلف مثل : " عطاء ، و ابن أبي مليكة ، و الشعبي ، و النخعي ، و مكحول ، و الزهري ، و أبو الزناد ربيعة ، و حماد بن أبي سليمان ؛ و أيوب السختياني ، و سفيان الثوري ، و الليث بن سعد عليهم رحمة الله أجمعين(1)".
الأدلة :
1- قول النبي - -" من أتى كاهناً ، فصدقه بما قال ، أو أتى امرأته في دبرها ، أو أتى حائضا ، فقد كفر بما أنزل على محمد (2)".
وجه دلالة هذا الحديث أن منطوقه يدل على كفر واطئ زوجته الحائض إذا كان مستحلاً لذلك ، ولم ينص على أية كفارة لهذا الفعل الشائن.
2- اضطراب الحديث الوارد، عن ابن عباس ، وأن مثله لا تقوم به حجة ، وإن الذمة تبقى على البراءة ، ولا يثبت عليها شيء إلا بدليل لا طعن فيه ، وذلك معدوم في هذه المسألة(3).
مناقشة الاجتهاد :
جاء أصحاب هذا القول بحديث الرسول الكريم - - " من أتى كاهناً ، فصدقه بما قال ، أو أتى امرأته في دبرها ، أو أتى حائضاً ، فقد كفر بما أنزل على محمد - - . و قالوا إن منطوق ، و مفهوم هذا الحديث لا يدل و لا يوجب أي كفارة ، و جميع الأحاديث التي توجب ، أو تسن كفارة هي أحاديث غير ثابتة ، فقد رويت بعدة روايات منها ما روي عن ابن عباس إذا وطئها في إقبال الدم ، فدينار ، و إن وطئها في إدبار الدم بعد انقطاعه ، و قبل الغسل فنصف دينار .
و في رواية إذا وقع بأهله ، و هي حائض إن كان دماً أحمر ، فليتصدق بدينار ، و إن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار . و في رواية من أتى حائضاً ، فليتصدق بدينار ، أو بنصف دينار .
أما الرواية الأولى : فرواها البيهقي من حديث ابن جريج ، عن أبي أمية ، عن مقسم ، عن ابن عباس مرفوعاً " إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليصدق بدينار ، و إذا أتاها ، و قد رأت الطهر ، و لم تغتسل ، فليتصدق بنصف دينار ، و رواها من حديث ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس موقوفاً .
أما الرواية الثانية : رواها البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن عبد الكريم أبي أمية مرفوعاً ، و جعل التفسير من قول مقسم ، فقال : فسر ذلك مقسم . فقال إن غشيها بالدم فدينار ، و إن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل ، فنصف دينار .
أما الرواية الثالثة : فرواها الترمذي و البيهقي أيضاً من هذا الوجه بلفظ إذا كان دماً أحمر ، فدينار ، و إن كان دماً أصفر ، فنصف دينار و رواها الطبراني من طريق سفيان الثوري عن خصيف و علي بن بذيمة و عبد الكريم عن مقسم بلفظ من أتى امرأته و هي حائض ، فعليه دينار ، و من أتاها في الصفرة ، فنصف دينار ، و رواها الدار قطني من هذا الوجه فقال في الأول في الدم ، و رواه أبو يعلي و الدارمي من طريق أبي جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بسنده في رجل جامع امرأته ، و هي حائض ، فقال أبو جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بسنده في رجل جامع امرأته ، و هي حائض ، فقال : إن كان دماً عبيطاً ، فليتصدق بدينار…..
أما الرابعة : فرواها ابن الجارود في المنتقى من طريق عبد الحميد عن مقسم ، عن ابن عباس ، فليتصدق بدينار ، أو نصف دينار ، و رواه أيضاً أحمد ، و أصحاب السنن ، و الدار قطني ، وله طرق في السنن غير هذه ، لكن شك شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الحميد .
و جميع هذه الروايات لا تقوم بها حجة ، و إن الذمة على البراء ، و لا يجب أن يثبت فيها شيء إلا بدليل لا مدفع فيه ، و لا مطعن عليه ، و ذلك معدوم في هذه المسألة ، و الله أعلم .
الاجتهاد الثالث
الكفارة سنة مستحبة
صاحب هذا الاجتهاد الإمام الطبري(1) عليه رحمة الله ، و ابن سريج من الشافعية ، و إمام الحرمين الجويني(2) ، و الدكتور وهبة الزحيلي من المعاصرين(3).
أدلة الاجتهاد :
اعتمد أصحاب هذا الرأي على أحاديث عدة مروية جميعاً ، عن ابن عباس رضي الله عنهما منها :
1- عن ابن عباس ، عن النبي - - في الذي يأتي امرأته ، و هي حائض قال : يتصدق بدينار ، أو نصف دينار(4).
2- عن ابن عباس ، عن النبي - - ، قال : إذا وقع الرجل بأهله ، و هي حائض ، فليتصدق بنصف دينار(5).
وجه دلالة هذين الحديثين :
أن الذي يأتي امرأته ، و هي حائض ، أو نفساء يستحب له أن يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار .
مناقشة هذا الرأي :
قال الإمام الطبري في الذي وطء زوجته الحائض : " يستحب له أن يتصدق بدينار ، أو نصف دينار ، فإن لم يفعل ، فلا شيء عليه " .(1)
الكفارة هنا على سبيل الاستحباب لا الوجوب ، و ذلك مستنبط من الأحاديث التي أوردناها .
يرد على هذا القول بما يلي :
1ً- إن الأحاديث الواردة تدل بمنطوقها على الإيجاب ، و لا يجوز صرف الإيجاب إلى الاستحباب إلا بدليل ، و لا دليل هنا .
2ً- إن جميع هذه الأحاديث مضطربة ، و لا يجوز الاحتجاج بها لضعف متنها ، و سندها، و الله أعلم .
الاجتهاد الرابع
وجوب التصدق بدينار إن كان الوطئ في الدم و بنصف دينار إن كان في انقطاع الدم .
قال بهذا القول محمد بن الحسن(2)، و طائفة من أهل الحديث(3) عليهم رحمة الله تعالى .
أدلة الاجتهاد :
1-ما رواه علي بن الحكم النباني ، عن أبي الحسن الجزري ، عن مقسم ، عن ابن عباس مرفوعاً ، قال : إذا أصابها في الدم ؛ فدينار . و إذا أصابها في انقطاع الدم ، فنصف دينار .
2-ما رواه أبو داود ، و الحاكم ؛ و صححه : إذا واقع الرجل أهله ، و هي حائض إن كان دماً أحمر ، فليتصدق بدينار . و إن كان أصفر ، فليتصدق بنصف دينار .
3-عن أبن عباس ، عن النبي - -قال : إذا كان دماً أحمر ، فدينار ، و إذا كان أصفر ، فنصف دينار(1).
وجه دلالة هذه الأحاديث أنها تدل بمنطو قها على وجوب التصدق بدينار إذا كان الوطء في الدم . و إن كان في انقطاع الدم ، أي إذا كان الدم أصفر ، فيجب على الواطئ أن يتصدق بنصف دينار .
مناقشة الاجتهاد :
قال أصحاب هذا الاجتهاد : إن الكفارة الواجبة على الواطئ ، هي دينار إن كان الواطئ في الدم ، و نصف دينار إذا كان الواطئ في انقطاع الدم ، و اعتمد أهل هذا القول على عدة أحاديث رواها الترمذي ، و أبو داود .
فرد المخالفون لهذا القول بما يلي :
إن أساس هذا القول غير صحيح ، لاعتماده على دليل ضعيف السند و المتن معاً .
قال الحافظ في التلخيص : " لم يثبت هذا الحديث ، و الاضطراب في إسناده ؛ و متنه كثير . (2)"
و عليه لا يرقى هذا الحديث إلى درجة الحجة التي يستنبط منها الأحكام ، و الله أعلم .
الاجتهاد الخامس
وجوب التصدق بخمسي دينار
قال بهذا القول الإمام الأوزاعي عليه رحمة الله ، و دليل الأوزاعي في هذا الاجتهاد الحديث التالي :
عن يزيد بن أبي مالك ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن النبي - - قال : أمره أن يتصدق بخمسي دينار(1).
وجه دلالة الحديث :
أن الرسول الكريم - - أمر الواطئ أن يتصدق بخمسي دينار كفارة هذا الفعل الشنيع .
مناقشة الاجتهاد :
قال أصحاب هذا الاجتهاد بوجوب التصدق بخمسي دينار ، للحديث المروي عن الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام .
يمكن أن يرد على هذا القول بأن هذا الحديث المعتمد عليه حديث معلول بعلل كثيرة في السند ، و المتن ، و لا يمكن أن يكون حجة يعتمد عليه في استنباط الأحكام ، و الله أعلم .
الترجيح بين الاجتهادات :
لاحظنا أن أهل العلم قد اتفقوا على حرمة إتيان الحائض ، و النفساء ،بيد أنهم اختلفوا في كفارة هذا الوطء . فبعضهم جعل الكفارة دينار ، أو نصف دينار ، و بعضهم الآخر جعلها خمسي دينار . و الذين قالوا بالكفارة المالية افترقوا إلى فئتين . فئة قالت : بالوجوب و أخرى قالت بالسنية ، وعدم العودة فقط .
وحجتهم في هذا أن جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب لا تقوم بها حجة لاضطراب المتن ، و السند . و إن الذمة على البراءة ، و لا يثبت فيها شئ إلا بدليل لا طعن فيه ، و ذلك معدوم في جميع الأحاديث الواردة في هذه المسألة ، و عليه نرى أن رأي الجمهور هو الراجح .
و هو القائل بوجوب التوبة ، و الاستغفار ؛ و عدم العودة ؛ و الله أعلم .
المبحث الثالث
حكم الاستمتاع بالحائض و النفساء بالوطء بعد الطهر ، و قبل الغسل
اختلف الفقهاء بمسألة الاستمتاع بالحائض ، و النفساء بالوطء بعد الطهر ، و قبل الغسل إلى اجتهادين :
الاجتهاد الأول : قال : يحل وطء الحائض ، و النفساء بعد الطهر، وقبل الغسل إذا انقطع الدم لأكثر الحيض ، و النفاس . صاحب هذا القول الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان عليه رحمة الله .
الاجتهاد الثاني : قال : بحرمة وطء الحائض ، و النفساء بعد الطهر حتى تغتسل ، و هو قول أكثر أهل العلم .
منشأ الخلاف :
كان في قوله تعالى : {" فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله }. "
هل المراد به الطهر الذي هو انقطاع الدم أم الطهر الذي يعني الغسل(1) ؟ .
الاجتهاد الأول
يجوز وطء الحائض و النفساء بعد الطهر، وقبل الغسل
في حال انقطاع الدم لأكثر الحيض ، أو النفاس
قال أبو حنيفة و أصحابه(1) : بجواز وطء الحائض و النفساء إذا انقطع دمها لأكثر الحيض ، أو النفاس . و إذا انقطع دون ذلك لم يبح وطأها حتى تغتسل ، أو تتيمم ، أو يمضي عليها وقت صلاة .
أدلة الاجتهاد :
1- قول الله سبحانه و تعالى : { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة : 222 ) . عن ابن أبي بخيح ، عن مجاهد في قوله ، و لا تقربوهن حتى يطهرن قال : انقطاع الدم(3).
2- عن سفيان ، أو عثمان بن الأسود ، و لا تقربوهن حتى يطهرن حتى ينقطع الدم (4).
3- عن عكرمة في قوله، ولا تقربوهن حتى يطهرن قال: حتى ينقطع الدم(5).
مناقشة الاجتهاد :
قال أصحاب هذا الرأي : يباح للزوج وطء زوجه إذا طهرت لأكثر الحيض ، أو النفاس ، أو مضى عليها وقت صلاة ، ولم ينزل دم .
اعتمد أصحاب هذا القول على عدة أدلة منها :
- قول الله سبحانه و تعالى : "{ ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله "}.
فقوله تعالى: {"حتى يطهرن} " معناه انقطاع الدم -حسب رأي الحنفية – و قوله تعالى :{ فإذا تطهرن }" حملوها على معنى إذا انقطع الدم ، فاستعمل المشدد بمعنى المخفف .
قال الإمام الطبري :" اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم حتى يطهرن بضم الهاء ، و تخفيفها . و قرأه آخرون بتشديد الهاء ، وفتحها . و أما الذين قرءوه بتخفيف الهاء و ضمها ، وجهوا معناه إلى ، و لا تقربوا النساء في حال حيضهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ، و يطهرن(1).
يرد على هذا القول بما يلي :
إن معنى الآية الحظر حتى تغتسل لقوله تعالى :{" فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله }.
فشرط في إباحته شرطين :
1- انقطاع الدم .
2- الاغتسال .
لأن معنى فإذا تطهرن لا يحتمل غير الغسل ، و هو كقول القائل لا تعطي عماداً شيئاً حتى يدخل الدار ، فإذا دخلها ، و جلس فيها ؛ فأعطه ديناراً . فيعلم به أن استحقاق الدينار موقوف على الدخول ، و الجلوس .
رد الحنفية على رأي الجمهور بقولهم ، قوله تعالى{ حتى يطهرن} إذا قرئ بالتخفيف ، فإنما هو انقطاع الدم لا الاغتسال ، لأنها لو اغتسلت و هي حائض لم تطهر ، فلا يحتمل قوله حتى يطهرن إلا معنى واحداً ، و هو انقطاع الدم الذي به يكون الخروج من انقطاع الدم ، و من الغسل لما وصفنا آنفاً ، فصارت قراءة التخفيف محكمة ، و قراءة التشديد متشابهة . و حكم المتشابهة أن يحمل على المحكم ، و يرد إليه (1) .
الاجتهاد الثاني
لا يجوز وطء الحائض بعد الطهر حتى تغتسل
ذهب الجمهور إلى أن الحائض لا توطأ حتى ينقطع دمها ، و تغتسل .
قال ابن المنذر : هذا كالإجماع منهم ، و قال أحمد بن محمد المروذي : لا أعلم في هذا خلافاً" (1) .
و اعتمد أصحاب هذا الاجتهاد على قوله تعالى :{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222)
أي إذا اغتسلت . هكذا فسره ابن عباس ، لأن الله تعالى قال في هذه الآية: { ويحب المتطهرين } أي أثنى عليهم . فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به ، و فعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم .
عليه لابد من توفر شرطين حتى يباح الوطء :
1- انقطاع الدم .
2- الاغتسال .
أما بالنسبة للقراءة التي اعتمد عليها الحنفية ، فرد عليها الإمام الطبري بقوله :
" فإذا كان إجماع من الجميع أنها لا تحل لزوجها بانقطاع الدم حتى تطهر كان بيناً أن أولى القراءتين بالصواب أخفاهما للبس عن فهم سامعها . و ذلك هو الذي اخترنا إذا كان في قراءة قارئها بتخفيف الهاء وضمنها ما لا يؤمن منه اللبس على سامعها من الخطأ في تأويلها ميزة أن للزوج غشيانها بعد انقطاع دم حيضها عنها ، و قبل اغتسالها ، و تطهرها .
فتأويل الآية إذاً ، و يسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن ، و لا تقربوهن حتى يغتسلن ، فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه"(1) .
و يرد على هذا القول :
بأن تفسير الآية وفق ما اجتهدنا قال به مجاهد و عكرمة .
فرد الجمهور على هذا القول : إن ما روي عن عطاء و طاووس و مجاهد روينا عنهم خلاف هذا القول . فقد ثبت عن عطاء أنه سئل عن الحائض أنها ترى الطهر ، و لم تغتسل أتحل لزوجها . فقال : لا حتى تغتسل .
عن ابن جريج عنه و عن مجاهد أنهما قالا : لا يأتيها حتى تحل لها الصلاة (2) .
الترجيح بين الاجتهاديين :
لعل ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الشافعية ؛ و الحنابلة ؛ و المالكية ؛ و الشوكاني ؛ و الإمام الطبري ؛ وشيخ الإسلام ابن تميمة ؛ و ابن عباس ؛ و الزهري ، و النووي ، و غيرهم هو الأرجح . لأن الله سبحانه و تعالى علل ذلك بقوله إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين " و ظاهر اللفظ يدل على أن المراد به الطهارة بانقطاع الدم مع الاغتسال .
قال شيخ الإسلام :" لا يجوز وطء الحائض ، و النفساء حتى تغتسل ، فإن عدمت الماء ، أو خافت الضرر باستعمالها الماء لمرض ، أو برد شديد تتيمم و توطأ بعد هذا "(1).
الفصل الثاني
الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء في غير الفرج
المبحث الأول : الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء فيما فوق السرة و تحت الركبة .
• المبحث الثاني : الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء فيما تحت السرة و فوق الركبة دون الفرج .
المبحث الأول
استمتاع بالزوجة الحائض و النفساء فيما فوق السرة و تحت الركبة
اتفق أهل العلم على جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء فيما فوق السرة ، و تحت الركبة بالقبلة ، و الضم ، و المضاجعة ، و المباشرة و نحو ذلك(1).
و كانت أدلتهم في ذلك ما يلي :
أولاً – السنة النبوية الشريفة :
1- عن أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها ، قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضاً ، أمرها رسول الله - - أن تأتزر في فور حيضها ثم يباشرها . قالت : و أيكم يملك أربه ، كما كان رسول الله - - يملك إربه(2). يستنبط من هذا الحديث جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء ، فيما فوق السرة ، و تحت الركبة ، لأن معنى تأتزر أن تشد إزاراً تستر سرتها ، و ما تحتها إلى الركبة .
2- عن ميمونة قالت : كان رسول الله - - يباشر نساءه فوق الإزار و هن حيض(3).
3- عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله - - فتأتزر بإزارها ، ثم يباشرها(1).
4- عن حرام بن حكيم ، عن عمه أنه سأل رسول الله - - ما يحل للزوج لي من امرأتي ، و هي حائض ، قال : لك ما فوق الإزار(2).
تدل جميع هذه الأحاديث بمنطوقها ، و مفهومها على إباحة الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء فيما فوق السرة ، و تحت الركبة بجميع أنواع الاستمتاع .
ثانياً- الإجماع :
أجمع أهل العلم على إباحة الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء فيما فوق السرة ، و تحت الركبة ، و لم يخالف في ذلك أحد منهم(3).
المبحث الثاني
الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء فيما تحت السرة و فوق الركبة دون الفرج
لاحظنا في المبحث السابق اتفاق أهل العلم على جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء ، فيما فوق السرة ، و تحت الركبة . بيد أنهم اختلفوا في جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء ، فيما تحت السرة ، و فوق الركبة دون الفرج إلى اجتهادات ثلاث .
الاجتهاد الأول
كره الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء ، فيما تحت السرة ، و فوق الركبة دون الفرج . و أصحاب هذا الرأي محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية ، و أصبغ من المالكية ، و هو قول عند الشافعي ، و اختاره ابن المنذر . و قال النووي و هو الأرجح(1) ، و هو قول عند الإمام أحمد ، و رأي عكرمة ، و مجاهد ، و الشعبي ، و النخعي ، و سفيان الثوري ، و الأوزاعي ، و أبي ثور(2)، و إسحاق بن راهويه ، و الشوكاني ، و ابن حزم الظاهري(3).
الاجتهاد الثاني
قال بحرمة الاستمتاع بالحائض و النفساء فيما تحت السرة وفوق الركبة دون الفرج و هو رأي أبي حنيفة النعمان و صاحبه أبي يوسف و جمهور المالكية . و هو قول راجح عند الشافعية و هو قول سعيد بن المسيب و طاوس و شريح و عطاء و قتادة و هو رأي أكثر أهل العلم(1).
الاجتهاد الثالث :
أجاز للرجل الورع ، وضعيف الشهوة أن يستمتع بزوجته الحائض و النفساء ، فيما تحت السرة ، و فوق الركبة دون الفرج إذا ضبط نفسه عن الفرج ، و هو قول ثالث عند الشافعية(2).
الاجتهاد الأول
جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض و النفساء فيما تحت السرة و فوق الركبة دون الفرج
أدلة الاجتهاد :
أولاً- القرآن الكريم :
قال تعالى : "{ فاعتزلوا النساء في المحيض } .
وجه دلالة هذه الآية أن المحيض ، هو اسم لمكان الحيض ، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحة ، فيما عدا هذا المكان المخصص .
ثانياً – السنة النبوية الشريفة :
1- عن عائشة ، قالت : " كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله - - أن تأتزر في فور حيضها ، ثم يباشرها قالت : و أيكم يملك إربه كما كان رسول الله - - يملك إربه (3).
2- عن ميمونة قالت : "كان رسول الله - - يباشر نساءه فوق الإزار ، و هن حيض"(1).
3- عن عائشة قالت :" كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله - - فتأتزر بإزارها ثم يباشرها(2).
4- عن حرام بن حكيم ، عن عمه أنه سأل رسول الله - - ما يحل لي من امرأتي ، و هي حائض ؟ قال : " لك ما فوق الإزار (3).
5- قال رسول الله - - " اصنعوا كل شئ إلا النكاح(4) . وجه دلالة هذه الأحاديث أنها تدل بمفهومها على جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض فيما تحت السرة ، و فوق الركبة عدا الوطء في الفرج .
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما رسول الله - - في المسجد فقال : يا عائشة ناوليني الثوب ، فقالت إني حائض ، فقال : إن حيضتك ليست في يدك فناولته (5) 0
وجه دلالة هذا الحديث أنه يدل بمفهومه على جواز الاستمتاع بالزوجة بالحيض و النفاس فيما تحت السرة و فوق الركبة إذا تجنب موطن الحيض ، و النفاس .
ثالثاً - في العقل :
إن وطء الفرج في الحيض ، و النفاس هو المحرم لوجود الأذى . أما في غير الفرج ، فلا يحرم لانعدام الأذى .
قال ابن قدامة المقدسي عليه رحمة الله : " روي عن النبي عليه السلام أنه قال : اجتنب منها شعار الدم "لأنه منع الوطء لأجل الأذى ، فاختص مكانه الدبر و ما رووه عن عائشة دليل على حل ما فوق الإزار لا على تحريم غيره .
و قد روي النبي أنه كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوبها (1) ، ثم ما ذكرناه منطوق ، و هو أولى من المفهوم(2).
مناقشة الاجتهاد :
قال أصحاب هذا الاجتهاد بجواز الاستمتاع بالزوجة في المحيض و النفاس ، فيما فوق الركبة ، و تحت السرة دون الفرج ، و ذلك بالاعتماد على العديد من الأدلة القوية التي أوردناها فيما سبق .
يرد على هذا الاجتهاد بما يلي :
إن وجه دلالة آية "يسألونك عن المحيض " هي حظر الاستمتاع فيما تحت السرة ، وفوق الركبة ذلك أن قوله تعالى "{ فاعتزلوا النساء في المحيض } . ظاهرها يقتضي اجتناب ما تحت الإزار .
و لعل حديث رسول الله - - يبين صحة اجتهادنا القاضي بتحريم الاستمتاع ما تحت الإزار .
عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله - - عما يحل للرجل من امرأته و هي حائض . فقال : " ما فوق الإزار ) .
ويرد على هذا الطعن بما يلي :
إن وجه دلالة قوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } أن المحيض هو اسم لمكان الحيض ، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته ، فيما عدا هذا المكان المخصص .
أما بالنسبة للأحاديث التي احتج بها المخالفون ، فهذه أحاديث مجملة تفصيلها و تبين معناها أحاديث أخرى .
و الأحاديث التي يعتمد عليها المخالفون تفصل جملها قول الرسول الكريم - - ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) فهذا الحديث يدل بمنطوقه على جواز الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء ، فيما تحت السرة ، و فوق الركبة ما عدا الفرج .
أيضاً الحديث المروي عن أبي هريرة يقوي صحة هذا الاستدلال .
عن أبي هريرة قال : "( بينما رسول الله - - في المسجد ، فقال : يا عائشة ناوليني الثوب . فقالت : إني حائض . فقال : إن حيضتك ليست في يدك فناولته " ) .
فهذا الحديث يدل دلالة راجحة على صحة هذا الاجتهاد ، لأن الاستمتاع الجائز ، و المباح هو خارج مكان الحيض .
و عليه فإن الاستمتاع بالزوجة الحائض ، و النفساء فيما تحت السرة ، و فوق الركبة دون الفرج مكروه فقط حسب ما يقول أصحاب هذا القول ، و الله أعلم .
الاجتهاد الثاني
لا يجوز الاستمتاع بالحائض فيما تحت السرة وفوق الركبة
استند أصحاب هذا القول على العديد من الأدلة النقلية ، و العقلية نوردها فيما يلي :
أولاً – القرآن الكريم :
قول الله سبحانه و تعالى :"{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة : 222 ) .
ثانياً – السنة النبوية الشريفة :
1- عن معاذ بن جبل ، قال : ( سألت رسول الله - - عما يحل للرجل من امرأته ، و هي حائض ؟ فقال : ما فوق الإزار ) . (1)
2- عن عمير مولى عمر ، قال : جاء نفر من أهل العراق إلى عمر ، فقال لهم عمر : أبإذن جئتم ؟ قالوا نعم ، قال : فما جاء بكم ؟ قالوا جئنا نسأل عن ثلاث ؟ قال : و ما هن ؟ قالوا : صلاة الرجل في بيته تطوعاً ما هي ؟ و ما يصلح للرجل من امرأته ، وهي حائض ، وعن الغسل من الجنابة . فقال : أسحرة أنتم ؟ قالوا : لا يا أمير المؤمنين ، ما نحن بسحرة .
قال : لقد سألتموني عن ثلاثة أشياء ما سألني عنهن أحد منذ سألت رسول الله - - عنهن قبلكم ؟ أما صلاة الرجل في بيته نور ، فنور بيتك ما استطعت ، و أما الحائض ، فما فوق الإزار ، و ليس له تحته(1).
ثالثاً- العقل :
إن ما بين السرة و الركبة ، هو من محارم فرج المرأة ، و الاستمتا
- المرفقات
- ضوابط الاستمتاع.doc
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (285 Ko) عدد مرات التنزيل 0